فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وخفضها الباقون نَسَقًا على الأعناب؛ فيكون الزرع والنخيل من الجَنّات؛ ويجوز أن يكون معطوفًا على {كُلّ} حسب ما تقدّم في {وجنّات}.
وقرأ مجاهد والسُّلَميّ وغيرهما {صُنْوَانٌ} بضم الصاد، الباقون بالكسر؛ وهما لغتان؛ وهما جمع صِنْوٍ، وهي النَّخَلات والنَّخلتان، يجمعهن أصلٌ واحد، وتتشعب منه رؤوس فتصير نخيلًا؛ نظيرها قِنْوان، واحدها قِنو: وروى أبو إسحاق عن البَرَاء قال: الصِّنْوان المجتمع، وغير الصِّنْوان المتفرق؛ النحاس: وكذلك هو في اللغة؛ يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صِنْوان.
والصِّنو المِثل؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَمُّ الرَّجُل صِنْوُ أبيه» ولا فرق فيها بين التّثنية والجمع، ولا بالإعراب؛ فتعرب نون الجمع، وتكسر نون التّثنية؛ قال الشاعر:
العلمُ والحلمُ خُلَّتَا كَرَمٍ ** للمرءِ زَيْنٌ إذا هُمَا اجتمعا

صِنْوانِ لا يُسْتَتَمُّ حُسنُهُمَا ** إِلاَّ بجمعِ ذا وذاكَ مَعَا

الخامسة:
قوله تعالى: {يسقى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} كصالح بني آدم وخبيثهم، أبوهم واحد؛ قاله النحاس والبخاريّ.
وقرأ عاصم وابن عامر: {يُسْقَى} بالياء، أي يُسقى ذلك كله.
وقرأ الباقون بالتاء، لقوله: {جَنَاتٌ} واختاره أبو حاتم وأبو عبيدة؛ قال أبو عمرو: والتأنيث أحسن؛ لقوله: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل} ولم يقل بعضه.
وقرأ حمزة والكسائي وغيرهما {وَيُفَضِّلُ} بالياء ردًّا على قوله: {يُدَبِّرُ الأمر} و{يُفَصِّلُ} و{يُغْشِي} الباقون بالنون على معنى: ونحن نفضل.
وروى جابر بن عبد الله قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ رضي الله عنه: «الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة» ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} حتى بلغ قوله: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} و{الأُكُلِ} الثمر.
قال ابن عباس: يعني الحلو والحامض والفارسيّ والدّقَل.
وروي مرفوعًا من حديث أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل} قال: الفارسي والدَّقَل والحُلْو والحامض» ذكره الثعلبيّ.
قال الحسن: المراد بهذه الآية المثل؛ ضربه الله تعالى لبني آدم، أصلهم واحد، وهم مختلفون في الخير والشر والإيمان والكفر، كاختلاف الثمار التي تسقى بماء واحد؛ ومنه قول الشاعر:
الناسُ كالنَّبتِ والنَّبْتُ ألوان

منها شجر الصَّندلِ والكافورِ والبان

ومنها شجر يَنضحُ طول الدّهرِ قطران

{إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي لعلامات لمن كان له قلب يفهم عن الله تعالى. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وهو الذي مد الأرض}
لما ذكر الدلالة على وحدانيته وكمال قدرته وهي رفع السمأوات بغير عمد، وذكر أحوال الشمس والقمر أردفها بذكر الدلائل الأرضية، فقال: وهو الذي مد الأرض أي بسطها على وجه الماء، وقيل: كانت الأرض مجتمعة فمدها من تحت البيت الحرام، وهذا القول إنما يصح إذا قيل إن الأرض منسطحة كالأكف، وعند أصحاب الهيئة: الأرض كرة، ويمكن أن يقال: إن الكرة إذا كانت كبيرة عظيمة فإن كل قطعة منها تشاهد ممدودة كالسطح الكبير العظيم، فحصل الجمع ومع ذلك فالله تعالى قد أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها وبسطها وكل ذلك يدل على التسطيح والله تعالى أصدق قيلًا وأبين دليلًا من أصحاب الهيئة: {وجعل فيها}.
يعني في الأرض: {رواسي} يعني جبالًا ثابتة، يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت وأرساه غير أثبته قال ابن عباس: كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض: {وأنهارًا}، يعني وجعل في الأرض أنهارًا جارية لمنافع الخلق: {ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} يعني صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلوًا وحامضًا: {يغشي الليل النهار}، يعني يلبس النهار ظلمة الليل ويلبس الليل ضوء النهار: {إن في ذلك} يعني الذي تقدم ذكره من عجائب صنعته وغرائب قدرته الدالة على وحدانيته: {لآيات} أي دلالات: {لقوم يتفكرون} يعني فيستدلون بالصنعة على الصانع، وبالسبب على المسبب، والفكر هو تصرف القلب في طلب الأشياء، وقال صاحب المفردات: الفكر قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ولهذا روي «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» إذ كان الله منزلها أن يوصف بصورة.
وقال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لأنه يستعمل في طلب المعاني، وهو فرك الأمور وبحثها طلبًا للوصول الى حقيقتها.
قوله: {وفي الأرض قطع متجاورات} يعني متقاربات بعضها من بعض، وهي مختلفة في الطبائع فهذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع: {وجنات} يعني متقاربات بعضها من بعض، وهي مختلفة في الطبائع فهذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع: {وجنات} يعني بساتين والجنة كل بستان ذي شجر من نخيل وأعناب وغير ذلك، سمي جنة لأنه يستر بأشجاره الأرض وإليه الإشارة بقوله: {من أعناب وزرع ونخيل صنوان} جمع صنو وهي النخلات يجتمعن من أصل واحد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس «عم الرجل صنو أبيه» يعني أنهما من أصل واحد: {وغير صنوان} هي النخلة المنفردة بأصلها فالصنوان المجتمع، وغير الصنوان المتفرق: {يسقى بماء واحد} يعني أشجار الجنات وزروعها، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام، وقيل: في حده جوهر سيال به قوام الأرواح؛: {ونفضل بعضها على بعض في الأكل} يعني في الطعم ما بين الحلو والحامض والعفص وغير ذلك من الطعام.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ونفضل بعضها على بعض في الأكل} قال: «الدقل والنرسيان والحلو والحامض» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
قال مجاهد: هذا كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد، وقال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن فسطحها فصارت قطعًا متجاورات، وأنزل على وجهها ماء السماء فتخرج هذه زهرتها وثمرتها وشجرها، وتخرج هذه نباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها وكل يسقى بماء واحد فلو كان الماء قليلًا.
قيل: إنما هذا من قبل الماء كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب قوم فتخشع وتخضع وتقسو قلوب قوم فتلهو، ولا تسمع.
وقال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزياده أو نقصان قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} وقوله تعالى: {إن في ذلك} يعني الذي ذكر: {لآيات لقوم يعقلون} يعني فيتدبرون ويتفكرون في الآيات الدالة على وحدانيته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}
لما قرر الدلائل السماوية أردفها بتقرير الدلائل الأرضية.
ومد الأرض: بسطها طولًا وعرضًا ليمكن التصرف فيها، والاستقرار عليها.
قيل: مدها ودحاها من مكة من تحت البيت، فذهبت كذا وكذا.
وقيل: كانت مجتمعة عند بيت المقدس فقال لها: اذهبي كذا وكذا.
قال ابن عطية: وقوله مد الأرض، يقتضي أنها بسيطة لا كرة، وهذا هو ظاهر الشريعة.
قال أبو عبد الله الداراني: ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة، ولا ينافي ذلك قوله: مد الأرض، وذلك أنّ الأرض جسم عظيم.
والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان قطعة منها تشاهد كالسطح، والتفاوت بينه وبين السطح لا يحصل إلا في علم الله تعالى.
ألا ترى أنه قال: {والجبال أوتادًا} مع أن العالم والناس يسيرون عليها فكذلك هنا.
وأيضًا إنما ذكر مد الأرض ليستدل به على وجود الصانع، وكونها مجتمعة تحت البيت أمر غير مشاهد ولا محسوس، فلا يمكن الاستدلال به على وجود الصانع.
فتأويل مد الأرض أنه جعلها بمقدار معين، وكونها تقبل الزيادة والنقص أمر جائز ممكن في نفسه، فالاختصاص بذلك المقدار المعين لابد أن يكون بتخصيص مخصص، وتقدير مقدر، وبهذا يحصل الاستدلال على وجود الصانع انتهى ملخصًا.
وقال أبو بكر الأصم: المد البسط إلى ما لا يرى منتهاه، فالمعنى: جعل الأرض حجمًا يسيرًا لا يقع البصر على منتهاه، فإن الأرض لو كانت أصغر حجمًا مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به انتهى.
وهذا الذي ذكره من أنها لو كانت أصغر إلى آخره غير مسلم، لأن المنتفع به من الأرض المعمور، والمعمور أقل من غير المعمور بكثير.
فلو أراد تعالى أن يجعلها مقدار المعمور المنتفع به لم يكن ذلك ممتنعًا، فتحصل في قوله: مد الأرض ثلاث تأويلات بسطها بعد أن كانت مجتمعة، واختصاصها بمقدار معين وجعل حجمها كبيرًا لا يرى منتهاه.
والرواسي الثوابت، ومنه قول الشاعر:
به خالدات ما يرمن وهامد ** وأشعت أرسته الوليدة بالقهر

والمعنى: جبالًا رواسي، وفواعل الوصف لا يطرد إلا في الإناث، إلا أنّ جمع التكسير من المذكر الذي لا يعقل يجري مجرى جمع الإناث.
وأيضًا فقد غلب على الجبال وصفها بالرواسي، وصارت الصفة تغني عن الموصوف، فجمع جمع الاسم كحائط وحوائط وكاهل وكواهل.
وقيل: رواسي جمع راسية، والهاء للمبالغة، وهو وصف الجبل.
كانت الأرض مضطربة فثقلها الله بالجبال في أحيازها فزال اضطرابها، والاستدلال بوجود الجبال على وجود الصانع القادر الحكيم.
قيل: من جهة أنّ طبيعة الأرض واحدة، فحصول الجبل في بعض جوانبها دون بعض لابد أن يكون بتخليق قادر حكيم، ومن جهة ما يحصل منها من المعادن الجوهرية والرخامية وغيرها كالنفط والكبريت يكون الجبل واحدًا في الطبع، وتأثير الشمس واحد دليل على أنّ ذلك بتقدير قاد قاهر متعال عن مشابهة الممكنات، ومن جهة تولد الأنهار منها.
قيل: وذلك لأنّ الجبل جسم صلب، ويتصاعد بخاره من قعر الأرض إليه ويحتبس هناك، فلا يزال يتكامل فيه فيحصل بسببه مياه كثيرة، فلقوتها تشق وتخرج وتسيل على وجه الأرض، ولهذا في أكثر الأمر إذا ذكر الله تعالى الجبال ذكر الأنهار كهذه الآية.
وكقوله: {وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا}: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارًا} فقال المفسرون: الأنهار المياه الجارية في الأرض.
وقال الكرماني: مسيل الماء، وتقدم الكلام في الأنهار في أوائل سورة البقرة.
والظاهر أنّ قوله: من كل الثمرات متعلق بجعل.
ولما ذكر الأنهار ذكر ما ينشأ عنها وهو الثمرات، والزوج هنا الصنف الواحد الذي هو نقيض الاثنين، يعني أنه حين مد الأرض جعل ذلك، ثم تكثرت وتنوعت.
وقيل: أراد بالزوجين الأسود والأبيض، والحلو والحامض، والصغير والكبير، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة.
وقال ابن عطية: وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة موجود فيها نوعان، فإن اتفق أن يوجد من ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية.
وقال الكرماني: الزوج واحد، والزوج اثنان، ولهذا قيد ليعلم أنّ المراد بالزوج هنا الفرد لا التثنية، فيكون أربعًا.
وخص اثنين بالذكر، وإن كان من أجناس الثمار ما يزيد على ذلك لأنه الأقل، إذ لا نوع تنقص أصنافه عن اثنين انتهى.
ويقال: إن في كل ثمرة ذكر وأنثى، وأشار إلى ذلك الفراء.
وقال أبو عبد الله الرازي: لما خلق الله تعالى العالم وخلق فيه الأشجار، خلق من كل نوع من الأنواع اثنين فقط.
فلو قال: خلق زوجين، لم يعلم أنّ المراد النوع أو الشخص، فلما قال: اثنين علمنا أنه أول ما خلق من كل زوجين اثنين لا أقل ولا أزيد.
فالشجر والزرع كبني آدم، حصل منهم كثرة، وابتداؤهم من زوجين اثنين بالشخص وهما آدم وحواء.
والاستدلال بخلق الثمرات على ما ذكر تعالى من جهة ربو الجنة في الأرض، وشق أعلاها وأسفلها، فمن الشق الأعلى الشجرة الصاعدة، ومن الأسفل العروق الغائصة، وطبيعة تلك الجنة واحدة، وتأثيرات الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد.